Friday, June 18, 2010

فصل: فيما ورد في صفة خلق العرش والكرسي

قال الله تعالى (رفيع الدرجات ذو العرش) [ غافر: 15 ] وقال تعالى (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) [ المؤمنون: 116 ] وقال الله (لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [ المؤمنون: 86 ] وقال (وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد) [ البروج: 14 ].

وقال تعالى (الرحمن على العرش استوى) [ طه: 5 ] وقال (استوى على العرش) [ الرعد: 2 ] في غير ما آية من القرآن، وقال تعالى (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما) [ غافر: 7 ] وقال تعالى (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) [ الحاقة: 17 ] وقال تعالى (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) [ الزمر: 75 ] وفي الدعاء المروي في الصحيح في دعاء الكرب " لا إله إلا الله العظيم الحليم.

لا إله إلا الله رب العرش الكريم.

لا إله إلا الله رب السموات ورب الارض رب العرش الكريم ".

وقال الامام أحمد (2) حدثنا عبد الرزاق حدثنا يحيى بن العلاء عن عمه شعيب بن
__________
(1) قال ابن العربي: " وكان عرشه على الماء " والذي عندي أنه أراد بالعرش الخلق كله _ وهو بهذا المعنى وعلى الماء بمعنى يمسكه بقدرته لا بعمد ترافده وأساس يعاضده.
(2) مسند أحمد ج 1 / 206 وسقط فيه الاحنف بن قيس.
[ * ]

(1/10)_______________________________________

خالد حدثني سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الاحنف بن قيس عن عباس بن عبد المطلب قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما هذا قال قلنا السحاب قال والمزن قال قلنا والمزن قال والعنان قال فسكتنا فقال هل تدرون كم بين السماء والارض قال قلنا الله ورسوله أعلم.

قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكشف كل سماء (1) مسيرة خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والارض، ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين ركبهن واظلافهن كما بين السماء والارض ثم على ظهورهم (2) العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والارض والله فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شئ ".

هذا لفظ الامام أحمد.

ورواه أبو داود وابن ماجة والترمذي من حديث سماك باسناده نحوه.

وقال الترمذي هذا حديث حسن، وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك ووقفه ولفظ أبي داود " وهل تدرون بعد ما بين السماء والارض ؟ قالوا لا ندري " قال " بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتين أو ثلاثة وسبعون سنة " والباقي نحوه.

وقال أبو داود حدثنا عبد الاعلى بن حماد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار، وأحمد بن سعيد الرباطي قالوا حدثنا وهب بن جرير.

قال أحمد كتبناه من نسخته وهذا لفظه.

قال حدثنا أبي قال سمعت محمد بن اسحاق يحدث عن يعقوب بن عقبة عن جبير بن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرابي فقال يارسول الله جهدت الانفس وجاعت العيال (3) ونهكت الاموال وهلكت الانعام.

فاستسق الله لنا فانا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحك أتدري ما تقول " وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه.

ثم قال " ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سمواته لهكذا " وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الزحل بالراكب.

قال ابن بشار في حديثه " ان الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته " وساق الحديث.

وقال عبد الاعلى وابن المثنى وابن بشار عن يعقوب بن عقبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده، قال أبو داود والحديث بإسناد أحمد بن سعيد وهو الصحيح.

وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين وعلي بن المديني ورواه جماعة منهم عن ابن اسحاق كما قال أحمد أيضا، وكان سماع عبد الاعلى وابن المثنى وابن بشار في نسخة واحدة فيما بلغني.

تفرد بإخراجها أبو داود، وقد صنف الحافظ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي جزءا في الرد على هذا الحديث.

سماه (ببيان الوهم والتخليط الواقع في حديث الاطيط) واستفرغ وسعه في الطعن على محمد بن إسحاق بن بشار راويه.

وذكر كلام الناس فيه، ولكن قد روى هذا اللفظ من طريق أخرى عن غير محمد بن
___________
(1) كذا في الاصل، وفي المسند وكيف بالياء، ولعل الصواب كثف.
(2) في المسند: ثم فوق ذلك.
(3) كذا في الاصل، وفي سنن أبي داود: وضاعت العيال.
[ * ]


(1/11)_______________________________________

اسحاق، فرواه عبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما، وابن أبي عاصم والطبراني في كتابي السنة لهما، والبزار في مسنده والحافظ الضياء المقدسي في مختارته من طريق أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله أن يدخلني الجنة قال فعظم الرب تبارك وتعالى وقال " إن كرسيه وسع السموات والارض وإن له أطيطا كأطيط الزحل الجديد من ثقله.

عبد الله بن خليفة هذا ليس بذاك المشهور.

وفي سماعه من عمر نظر.

ثم منهم من يرويه موقوفا ومرسلا، ومنهم من يزيد فيه زيادة غريبة والله أعلم * وثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس فانه أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن ".

يروى وفوقه بالفتح على الظرفية، وبالضم.

قال شيخنا الحافظ المزي وهو أحسن، أي وأعلاها عرش الرحمن.

وقد جاء في بعض الآثار (أن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش وهو تسبيحه وتعظيمه) وما ذاك إلا لقربهم منه.

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ (1).

وذكر الحافظ ابن الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب صفة العرش عن بعض السلف " أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء بعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة " وذكرنا عند قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) [ المعارج: 4 ] أنه بعد ما بين العرش إلى الارض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وإتساعه خمسون ألف سنة.

وقد ذهب طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهة ولذا سموه الفلك التاسع والفلك الاطلس والاثير.

وهذا ليس بجيد لانه قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة، والفلك لا يكون له قوائم ولا يحمل، وأيضا فانه فوق الجنة والجنة فوق السموات وفيها مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض فالبعد الذي بينه وبين الكرسي ليس هو نسبة فلك إلى فلك.

وأيضا فإن العرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك كما قال تعالى (ولها عرش عظيم) [ النمل: 23 ].

وليس هو فلكا ولا تفهم منه العرب ذلك.

والقرآن إنما نزل بلغة العرب فهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات.

قال الله تعالى (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) [ غافر: 7 ] وقد تقدم في حديث الاوعال أنهم ثمانية، وفوق ظهورهن العرش،

وقال تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) [ الحاقة: 17 ] وقال شهر بن حوشب " حملة العرش ثمانية أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد
__________
(1) قال أبو علي بن محمد بن مهدي الطبري: الصحيح من التأويل في هذا أن يقال الاهتزاء هو الاستبشار والسرور (الاسماء والصفات ص 503).
[ * ]

(1/12)_______________________________________

علمك " وأربعة يقولون " سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك " فأما الحديث الذي رواه الامام أحمد حدثنا عبد الله بن محمد هو أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن اسحاق عن يعقوب بن عقبة (1) عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أمية يعني ابن أبي الصلت في بيتين من شعره فقال: رجل وثور تحت رجل يمينه * والنسر للاخرى وليث مرصد (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق.

فقال: والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء مطلع لونها متورد (3) تأبى فلا تبدو لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق " فانه حديث صحيح الاسناد رجاله ثقات.

وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة، فيعارضه حديث الاوعال.

اللهم إلا أن يقال إن اثبات هؤلاء الاربعة على هذه الصفات لا ينفي ما عداهم.

والله أعلم.

ومن شعر أمية بن أبي الصلت في العرش قوله: مجدوا الله فهو للمجد أهل * ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء العالي الذي بهر النا * س وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله بصر العي * ن ترى حوله الملائك صورا صور جمع أصور وهو المائل العنق لنظره إلى العلو (4) والشرجع هو العالي المنيف.

والسرير هو العرش في اللغة.

ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الذي عرض به عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته.

شهدت بأن وعد الله حق * وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف * وفوق العرش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام * ملائكة الآله مسومين
__________
(1) مسند أحمد ج 1 / 256 وفيه يعقوب بن عتيبة ; وفي التقريب أبن عتبة وفي الكاشف ابن عتبة الثقفي ثقة من العلماء مات سنة 128 ه.
وقال إبراهيم بن سعد: كان ورعا مسلما يستعمل على الصدقات ويستعين به الولاة.
وكذلك هو ابن عتبة في الطبري والاغاني.
(2) قال الجاحظ في الحيوان 6 / 68 طبع مصر: وقد جاء في الخبر أن من الملائكة من هو في صورة الرجال ومنهم من هو في صورة الثيران، ومنهم من هو في صورة النسور ويدل على ذلك تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لامية.
" وأورد البيت.
(3) في المسند: حمراء يصبح لونها بتورد.
(4) صور جمع أصور وهو المائل العنق لثقل حمله.
(اللسان).
[ * ]

(1/13)_______________________________________

ذكره ابن عبد البر وغير واحد من الائمة * وقال أبو داود حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام.
ورواه ابن أبي عاصم ولفظه محقق الطير (1) مسيرة سبعمائة عام. ج 1 ف 3

No comments:

Post a Comment